ثالثا: الاندماج الإسرائيلي في الكنعانيين ووقوعهم تحت
التأثير الديني والحضاري للكنعانيين
هكذا تشير نصوص العهد القديم إلى عدم قدرة القبائل الإسرائيلية على
القضاء على الكنعانيين وقبولهم في النهاية الحياة وسط الكنعانيين الأمر الذي أدى في
النهاية إلى اندماج الإسرائيليين في الكنعانيين وفي وقت مبكر إذ لم يتمكن البدو
الإسرائيليون من مقاومة الحضارة الكنعانية ولا من مقاومة الوقوع تحت التأثير
الديني الكنعاني: "وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم، وتركوا الرب
إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذي
حولهم ، وسجدوا لها وأغاظوا الرب وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، فدفعهم بأيدي
نهابين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم..
وأقام الرب قضاة فخلصوهم من يد ناهبيهم.. وقضاتهم أيضا لم يسمعوا بل زنوا وراء آلهة
أخرى وسجدوا لها"، ولم يتوقف الأمر عند حد الوقوع في عبادة الإلهة الكنعانية ،
ولكنهم اندمجوا اجتماعيا في الكنعانيين ووصل هذا الاندماج الاجتماعي إلى حد الزواج
من الكنعانيات: "فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والموريين والفرزيين
والحويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا
آلهتهم فعمل بنو إسرائيل الشرفي عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم
والسوارتي.. والعشاروت وآلهة أرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة
الفلسطينيين وبيد بني عمون ..ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم
الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة".
ويشترك في هذا الاختلاط بالكنعانيين والفلسطينيين أكابر بني
إسرائيل، فهذا شمشون يختار لنفسه زوجة من بنات الفلسطينيين: "ونزل شمشون إلى تمنة
ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباه وأمه.. فالآن خذاها لي
امرأة .. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين على إسرائيل"، ويروي سفر راعوث قصة
زواج اثنين من أبناء يهوذا بامرأتين موآبيتين أيام حكم القضاة.
ومن بين الأمور التي يتأثر فيها الإسرائيليون بالكنعانيين
والفلسطينيين وغيرهم التأثر بنظام الحكم عند هذه الشعوب، وقد وضح هذا التأثير في
مطالبة نبيهم صموئيل بأن يجعل لهم ملكا تقليدا للشعوب المحيطة بهم. ومن المعروف أن
النظام الذي كان سائدا حتى ذلك الوقت هو نظام القضاة الذين كانوا يحكمون في بني
إسرائيل فيقضون لهم ويديرون شؤونهم المختلفة ويتولون قيادة حروبهم: "وكان لما شاخ
صموئيل اخه جعل بنيه قضاة لإسرائيل... فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل
إلى الرامة، وقالوا له هو ذا أنت قد شخت وابناك لم يسيرا في طريقك، فالآن اجعل لنا
ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب، فساء الأمر في عيني صموئيل إذ قالوا اعطنا ملكا يقي
لنا وصلى صموئيل إلى الرب فقال الرب لصموئيل اسمع لصوت الشعب فيكل ما يقولون لك،
لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم.. ولكن أشهدن عليهم وأخبرهم
بقضاء الملك الذي يمتلك عليهم."