الحمد لله و الصلوة و السلام علي رسول الله محمد العربي الأمين و علي آله و صحبه أجمعين أما بعد
نحن نتكلم
هنا عن العرب كأمه و عن العقليه العربيه قبل الإسلام و بتحديد في زمن
الجاهليه و التي لم تختلم في المضمون عن العرب كشعب و امه
في الإسلام
، فلإسلام و رساله نبينا محمد (ص) كانت تكميل و تأييد الكثير من العادات
العربيه التي كانت سائدتاً في الجاهليه و ذم البعض الأخر الغير
نافع و
المضر ، فقال رسول الله (ص) : إنما بعث لاتمم مكارم الاخلاق ، و نفهم من
هذا الحديث ان مكارم الأخلاق كانت موجوده انذاك كلصدق و الأمانه و الشجاعه
و الغيره و الزواج و الطلاق و التسريح بمعروف و حفظ العهد و ... و لهذا
إذا درسنا تاريخ العرب قبل الإسلام و العقليه العربيه التي لم تتغير
بلمجمل فسنعرف أنفسنا و شخصياتنا
قد وصف (
ديودورس الصقلي ) العرب بأنهم يعشقون الحريه ، فلتحفون السماء . و قد
اختاروا الإقامة في أرضين لا أنهار فيها و لا عيون ماء ، فلا يستطيع العدو
المغامر الذي يريد الايقاع بهم أن يجد له فيها مأوي . انهم لا يشربون
خمراً ، و من يخالف العرف يقتل . و هم يعتقدون بالارادة الحرة و بالحرية .
و هو يشارك في ذلك الرأي ( هيرودوتس ) الذي أشاد بحب العرب للحرية ، و
حفاظهم عليها و مقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم و استذلالهم . فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكتبة اليونان و اللاتين .
لسنا نعتقد تقديس العرب ، و لا نعبأ بمثل هذا النوع من القول الذي يمجدهم
و يصفهم بكل كمال ، و ينزههم عن كل نقص ، لأن هذا النمط من القول ليس نمط
بحث علمي ، انما نعتقد أن العرب شعب ككل الشعوب ، له ميزاته و فيه عيوبه ،
و هو خاضع لكل نقد علمي في عقليته و آدابه و تأريخه ككل أمة أخري .
فلنقتصر الآن علي وصف العربي قبل الإسلام : العربي عصبي المزاج ، سريع
الغضب ، يهيج للشئ التافه ، ثم لا يقف في هياجه عند حد ، و هو أشد هيجاناً
اذا جرحت كرامته ، او أنتهكت حرمة قبيلته . و اذا اهتاج ، أسرع الي السيف
، و احتكم اليه . و المزاج العصبي يستتبع عادة الذكاء ، و في الحقأن
العربي ذكي ، و يظهر ذكاؤه في لغته فكثيراً ما يعتمد علي اللمحة الدالة و
الاشارة البعيدة ، كما يظهر في حضور بديهته ، فما هو الا أن يُفجأ بالأمر
فيفجؤك بحسن الجواب ، و أما ناحيتهم الخلقية ، فميل الي حرية قلّ أن
يحدّها حدّ ، ولكن الذي يفهموه من الحرية هي الحرية الشخصيه أكثر من
الإجتماعيه ، فهم لا يدينون بلطاعة لرئيس و لا حاكم ، تأريخهم في
الجاهلية ــ حتي و في الإسلام ــ سلسلة حروب داخلية ، و عهد عمر بن الخطاب
كان عصرهم الذهبي ، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخليه ، و لأنه ، رضي الله
عنه و أرضاه ، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب .
والعربي يحب المساواة ، و لكنها مساواة في حدود القبيلة ، وهو مع حبه
للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه ، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم
ممتاز ، لم يؤمن بعظمة الفرس و الروم ، حتي اذا فتح بلادهم نظر اليهم نظرة
السيد الي المسود. فان الطبيعة
العقل العربي لا تنظر الي الأشياء نظـرة عامة شاملة ، و ليس في استطاعتها
ذلك . فالعربي لم ينظر الي العالم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني ، بل
كان يطوف فيما حوله : فإذا رأي منظراً خاصاً أعجبه تحرك له ، و جاس صدره
بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمو أو المثل فأما نظره شاملة و تحليل
دقيق لأسسه و عوارضه فذلك ما لا يتفق و العقل العربي . و فوق هذا هو اذا
نظرالي شئ واحد لا يستغرقه بفكره ، بل يقف فيه علي مواطن خاصة تستثير عجبه
، فهو اذا وقف أمام شجرة ، لا ينظر اليها ككل ، انما يستوقف نظرة شئ خاص
فيها ، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها ، و اذا كان بستان ، لا يحيطه بنظره
و لا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه ( الفوتوغرافيا ) ، انما يكون كالنحله ، يطير
من زهرة الي زهرة فيرتشف من كل زهرة رشفة . و
أماالعوامل التي عملت في تكون العقليه العربية و في تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان . هما : البيئة الطبيعية ، و أعني بها ما يحيط بالشعبطبيعياً من جبال و أنهار و صحراء و غير ذلك ، و البيئة الاجتماعيـة ، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومــة و دين و أسرة ونحو ذلك . و ليس أحد العاملين و حده هو المؤثر في العقلية