الدين البهائي هو دين عالمي مستقل ينتشر اتباعه في اكثر من 235 دولة
ختلف الدين البهائي في شرائعه وبعض طقوسه عما اعتاد عليه الناس عبر العصور، كحال جميع الأديان التي سبقته وكلها اختلفت عن بعضها في مراسيمها وطقوسها وعاداتها رغم أنها اتفقت مع بعضها في أشياء أُخرى .
ولإيضاح ذلك نذكر على سبيل المثال موضوع القبلة في الصلاة، فمن المعلوم أنّ قبّة الصخرة تعتبرمقدّسة لدى الديانات التوحيدية التي ظهرت في الشرق الأوسط .. وفي بداية الدين الإسلامي كان الرسول (ص) يأم الناس في الصلاة متوجّها نحو قبّة الصخرة الى أن أمره الله بالالتفاف نحو الكعبة أثناء أدائه الصلاة وهكذا أصبحت قبلة المسلمين غير قبلة الآخرين من أهل الكتاب. أمّا السبب في ذلك فيذكره القرآن الكريم "لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ"(البقرة 2:143)
وقد تختلف الأديان في تقديسها لأماكن أخرى دون غيرها (بين دين وآخر).
للمزيد من الإيضاح مثالا ثانيا يتعلّق بحكم الصيام وكيفية أدائه بين ديانة وأُخرى فمثلا للمسيحيين أياما ومواسم (ومنها صوم الأربعين) يمتنعون فيها عن بعض انواع الأطعمة وبعض الترفيهات وغيرها بينما يصوم المسلمون شهر رمضان من كل عام ويمتنعون فيه عن الأكل والشرب تماما لحين الغروب ... وفي كلتا الحالتين الفكرة هي نفسها وهي منع الذات عن المشتهيات النفسية (معبّرا عنها رمزا بالإمتناع عن الأكل والشرب) إظهارا لإطاعتهم لأوامر الله وتعبيرا عن استعداد المرء للتضحية بالأمور الشخصية والمشتهيات النفسية اتّباعا لأحكام الله تقرّبا اليه عزّ وجلّ وطمعا بمرضاته، رغم أنّ الأثنين يختلفان في طريقة إظهار ذلك من حيث اختلاف المواسم وعدد الأيام وما يُمنع أكله ..الخ
والأديان التي ظهرت تالياً في التاريخ، مع أن جميعها جاءت بشرائع وأحكام جديدة، نرى أنها استمرّت رغم ذلك على الإقرار بالديانات التي سبقتها وفي إثبات حقيقتها ومصداقيتها والإعتراف بأنها من عند الله. فنجد مثلا أنّ المسيحيين يؤمنون بالتوراة والعهد القديم وبرسالة إبراهيم وموسى وباقي الأنبياء (عليهم السلام) كما ونرى أن السيد المسيح (له المجد) بدوره وفي العديد من خطبه وأقواله اعترف بالتوراة وما جاء فيها ودليل ذلك ذكره لنصوصها ونصحه للحواريين وباقي اتباعه التمعن فيما جاء فيها من كتابات الأنبياء مثل دانيال وإسحاق وغيرهم .. ولكن حضرته مع ذلك أبطل حكم السبت وحرَّمَ الطلاق خلافا لما نصّت عليه تلك الكتب. ثم يأتي القرآن الكريم فنراه يتعرّض أيضا الى بعض أحكام التوراة والإنجيل بالنسخ والتعطيل ولكنّه لا يقلل على الاطلاق من شأن أي دين أو ينال من أحقّية أي رسول أو نبيّ بُعث من قبله، بل على العكس تماما نراه يؤكد على مصداقية جميع الأديان السابقة، كما يأتي بشرائع وأحكام جديدة من عند الله غير التي كانت في التوراة والإنجيل دون أن يقلل من شأنهما.
بالإضافة الى ذلك نجد أنّه حتى في نفس الديانة قد يكون هناك في ظرف بضع سنين تغييرات لبعض الأحكام وإبدالها بأخرى مما سبب في بعض الأحيان إرتجاجا قويا في إيمان مَن ضعف إيمانهم وارتدادهم عن إيقانهم عندما لم يدركوا أنّ الله عزّ وجلّ "يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ"يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وأنّه تعالى سبحانه " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُم يُسْأَلُونَ وبأن نسخ الآيات هو لصالح الناس ونفعهم
"مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (البقرة 2:106-107)
"وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 16:101-102)
ولا يختلف الدين البهائي عن سابقيه في هذا المضمار فهو يعترف اعترافا كلّيا لا لبس فيه بأحقّية الديانات السماوية التي سبقته ويؤكد على مصداقية مصدرها وأهدافها بشفافية وبدون تحفّظ ويعترف بقوانينها وأحكامها وبأنها كلها عبَّرت عبر العصور عن إرادة الخالق لبريّته حين وحيث مانزّلت
والدين البهائي في نظرته الى هذه الأديان يذهب خطوة أبعد عمّا اعتدنا عليه، فهو لا ينظر إليها كأديان منفصلة عن بعضها البعض و مستقلة كل الإستقلال بذاتها فحسب، بل يرى كل الأديان كدين واحد ظهر بالتدريج على أيدي المرّبين السماويين من رسل وأنبياء ومظاهر إلهية كما يتفضل حضرة بهاء الله : "هَذَا دِين الله مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ".
وفي إحدى النشرات الصادرة عن المركز البهائي العالمي يذكر"إذا فليس من الوافي أو الملائم أن نرى مقامات الرسل والأنبياء ومهماتهم منحصرة في كونهم مؤسسي ديانات محددة أو منفصلة وإنّما نعرف قدر مكاناتهم حين نراهم على حقيقتهم كمربين روحيين في تاريخ البشرية وقوى محرّكة في نشأة ونمو الحضارات الإنسانية وتطورها حيث تتفتح العقول وتنكشف الأسرار وتنتعش النفوس وتزدهر الأفكار لذا فمن الواضح أنّ الدين البهائي مع ما جاء به من شرائع وأحكام جديدة لم يأت لينسخ أو يُبطِل أَيًّا من الأديان السابقة بل جاء جزءا متكاملا من الدين الألهي الواحد يدعو الناس الى ما أمر به الخالق وما أراده لبريته أجمعين في عصر على هذا القدر من التقدّم والاستعداد، كما قال تعالى في تنزيله العزيز: "يَومَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيرَ الأَرْضِ" (إبراهيم 14:48]