الثورة الصناعية هي إنتشار وإحلال العمل اليدوي بالمكننة . شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر . وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها .
النتائج الاقتصادية:
أدت الثورة الصناعية إلى قيام نظام اقتصادي رأسمالي يرتكز على حرية العمل والمبادلات . فبرز دور المؤسسات الإنتاجية الكبرى في تنمية الاقتصاد وتحسنت الأوضاع المعيشية للناس وازدهرت حركة العمران كما ازداد الإنتاج الصناعي بشكل كبير بفضل تطور المعدات والآلات واعتماد التقنيات الجديدة . فانخفضت كلفة الإنتاج وظهرت صناعات جديدة واتسع الاستثمار في الزراعة فقد أدى الاستعمال المكثف للآلات والأسمدة إلى تحول الإنتاج الزراعي من إنتاج معيشي مخصص أساسا لاستهلاك المزارع وعائلته إلى إنتاج تجاري موجه إلى السوق . لذلك تحولت الزراعة إلى عنصر فعال في تطور القطاع الصناعي بعد أن وفرت له حاجاته من المواد الأولية مما زاد من مستوى الإنتاج واستوجب تأمين أسواق خارجية لترويج فوائضه . كما تطلبت التجارية الدولية تطوير المعاملات المالية فأنشأت المصارف المتخصصة واعتمد الذهب كقاعدة في المعاملات .
النتائج الاجتماعية:
أسهمت الثورة الصناعية في القضاء على المجتمع القديم وأقامت مكانه مجتمعا جديدا تميز ببروز طبقتين : طبقة أرباب العمل المنتسبين إلى البرجوازية والتي تكونت من أصحاب المؤسسات الصناعية والتجارية والمصرفية . وقد سيطرت هذه الطبقة على الحياة الاقتصادية بامتلاكها لوسائل الإنتاج . وطبقة العمال التي تكونت من سكان المدن والنازحين من الأرياف بحثا عن فرص العمل التي وفرتها المصانع . فظهر التفاوت الاجتماعي الذي اقتضى تدخل الدول للحد من سلبياته . فقد صدرت تشريعات عمالية تتعلق بعمل النساء والأطفال وتحدد ساعات العمل والحد الأدنى للأجر وتتناول الشئون الصحية للعمل . وظهر في بعض الدول كألمانيا وبريطانيا ضمان المرض وضمان الحوادث والشيخوخة . كذلك قضت الثورة الصناعية على الروابط العائلية التي كانت مصدر تكافل اجتماعي واقتصادي . فمع هذه الثورة أنشأت المصانع في مناطق دون أخرى فاستقطبت إليها العمال . وكان الآباء أول من اختطفتهم الصناعة ثم بدأت المصانع بتشغيل النساء والأطفال فقضت بذلك على تلاحم الأسرة وتسبب في تفاقم ظاهرة النزوح من الأرياف سعيا وراء فرص العمل التي وفرتها الصناعات الجديدة . فتضخمت المدن بشكل هائل وتفوق العرض على الطلب فانخفضت الأسعار وكثر عدد العاطلين عن العمل وتزايدت حدة البؤس .
النتائج السياسية الثقافية:
كان للثورة الصناعية عدة نتائج على المستويين الثقافي والسياسي . أما بالنسبة للمستوى السياسي فقد أدت الثورة الصناعية إلى :
* تطبيق المبادئ الدستورية التي منحت للعمال والنساء حق الانتخاب .
* برز أحزاب سياسية تدافع عن مصالح العمال وتشارك في الحياة السياسية .
* احتدام التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية مما أنتج تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم . وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا . وأثرت المدينة على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة . فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي .
أثر الثورة الصناعية على العالم:
لم تقتصر الثورة الصناعية على أوروبا بل تعدتها إلى دول أخرى من العالم كالولايات المتحدة الأمريكية التي استفادت من المنجزات الأوروبية لتطوير اقتصادها واستغلال مواردها حتى تمكنت من السيطرة على القارة الأمريكية بعد أن تقلص الدور الأوروبي فيها .
واستوعب اليابان من جانبه منجزات الغرب العلمية محققا بذلك ثورته الصناعية .
وقد تأثرت الدول العربية إلى حد ما بمنجزات الثورة الصناعية وقام بعض من حكامها بإنشاء المصانع واستقدام الخبراء من دول أوروبا لتنمية الصناعة فيها . كما قاموا بإرسال الطلبة المتفوقين إلى تلك الدول للاطلاع على مدى تقدمها الصناعي والعلمي والاستفادة من خبراتها الجديدة .